اسم الله "الكريم"
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الوعد الأمين.. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم (الكريم)، ولقد سمى الله جل جلاله ذاته العلية باسم الكريم حيث ورد هذا الاسم في كثير من نصوص القرآن الكريم، ومن نصوص السنة النبوية الصحيحة، كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{6} الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}
من أدق هذه الآيات أن الله في آية واحدة خاطب قلب الإنسان وعقله، ولا ينجح الخطاب الديني إلا إذا اتجه إلى قلب الإنسان وعقله معا، فالإنسان له عقل يدرك وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا لبيت حاجات الإنسان كلها تفوق، أما إذا لبى حاجة ولم يلبِ الآخر تطرف، والفرق كبير بين التفوق وبين التطرف.
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{6}
(يتجه إلى قلبه)
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.
أيها الإخوة واقترن اسم الكريم باسم الغني في قوله تعالى:
{وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}
في عالم البشر قد تجد الغني شحيحا، والغني بخيلا يمسك، الآية الكريمة
{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً{19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً{20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً}
لا ينفق شيئًا، لكن الله جل جلاله غني كريم، قد تجد إنسان كريم ولكنه فقير، وقد تجد إنسان غني ولكنه بخيل، فلئن يجتمع الغنى مع الكرم هذا من أكرم الصفات
{وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
هذا في القرآن، فماذا في السنة؟
عند الترمذي من حديث علي رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يا علي ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك، قل لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب العرش العظيم"
وعند أبي داوود من حديث سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه أن يردهما صفرا"
الدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة؛ لأن الذي يدعو الله عز وجل مؤمن بوجوده، ومؤمن بأنه يسمعه، ومؤمن بأنه قدير على إجابته، ومؤمن بأنه يحبه، فإذا آمنت بأن الله موجود، وسميع عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه أرحم الراحمين فهذا أعلى درجات الإيمان.
لذلك فإن الله يحب الملحين بالدعاء، إن الله يحب من عبده أن يسأله شعث نعله إذا انقطع، إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها، يعني الدعاء هو العبادة.
وإذا قال الله عز وجل
{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}
دائمون أي في الدعاء، وعند الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها في الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}
{وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}
الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أن تدعو به ليلة القدر.
"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني يا كريم"
من أكثر الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها
"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني يا كريم".
هذه النصوص التي وردت في القرآن، وفي السنة، وقد جاء فيها اسم الكريم.
أيها الإخوة على المستوى اللغوي الكريم صفة مشبهة باسم الفاعل لمن اتصف بالكرم، من اتصف بالكرم يسمى كريمًا، والكرم نقيض اللؤم، لعل فضائل كثيرة جمعت في الكرم، ولعل نقائص كثيرة جمعت في اللؤم، الكرم نقيض اللؤم، في اللغة يكون الكرم في الرجل، ويكون الكرم في الخيل، وفي الإبل وفي الشجر وغيرها.. الفعل كرم الرجل كرمًا وكرامة، كَرُمَ، كَرَم، وكرامة، فهو كريم.. والمرأة كريمة، كريمة فلان، ابنته يعني، وجمع الكريم كرماء، والكريم في اللغة هو الشيء الحسن، أحجار كريمة، الشيء النفيس، الشيء الواسع، الإنسان السخي، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم كثير الإحسان من دون سؤال، وأن السخي كثير الإحسان عند السؤال، السخي إذا سُئل، أما الكريم أرقى من السخي يعطي قبل أن تسأل.
والكرم السعة، والعظمة، والشرف، والعزة، والسخاء عند العطاء
وعند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دققوا ..
"كأن الناس رجلان، المؤمن غِرٌ كريم، والفاجر خَبٌ لئيم"
المؤمن على الفطرة، نفسه طاهرة، يصدق ما يقال له، يحسن الظن بالآخرين، غِرٌ كريم، هذه صفة مدح، والفاجر خب (وفي ضبط آخر.. خِبٌ لئيم)، المؤمن غِر كريم، والفاجر خب لئيم، لكن أروع ما قال عمر رضي الله عنه عن نفسه
"لست بالخب، ولا الخب يخدعني"
يعني لست من السذاجة بحيث أُخدع ولا من الخبث بحيث أَخدع، لا أُخدع ولا أَخدع، كلام دقيق.. يعني واحد وجد لوزة في موسم الحج في أثناء الطواف، فملأ من حوله صياحًا من صاحب هذه اللوزة؟ فكان عمر رضي الله عنه أمامه قال:
"كلها يا صاحب الورع الكاذب"
كلها وخلصنا.. نعم .. واحد سأل علي رضي الله عنه قال له لما انصاع الناس لأبي بكر وعمر ولم ينصاعوا لك؟ يريد أن يقلل من شأنه.. قال له:
"لأن أصحابهم أمثالي، وأصحابي أمثالك"
يعني لست بالخب، ولا الخب يخدعني.. لست بالخب بحيث أخدع ولا من السذاجة بحيث أُخدع، هذا الموقف الكامل.
هذا في اللغة، أما إذا قلنا الله كريم، موضوع آخر، الله سبحانه وتعالى هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله، لأنكم كما تعلمون هناك أسماء ذات وأسماء صفات وأسماء أفعال، من سعته أنه وسع كرسيه السموات والأرض، والسموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، قال تعالى:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}